يحظ به جميعه.
والكلام في هذا مع من في قلبه بعض حياة يحس بها ، فأما من مات قلبه ، وعظمت فتنته ، فقد سد على نفسه طريق النصيحة { وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }) انتهى كلامه رحمه الله.
ومن الآيات الدالة على ذم الأغاني والمعازف ، وهي آلات الملاهي ، قوله تعالى: { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} ، وقوله تعالى : { وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} ، وقد فسر الصوت والزور بالغناء وآلات الملاهي ، وفسر الصوت أيضا بكل صوت يدعو إلى باطل ، وفسر الزور بكل منكر ولا منافاة بين التفاسير ، ومدلول الآيتين يعم ذلك كله ، ولا ريب أن الأغاني والملاهي من أقبح الزور ، ومن أخبث أصوات الشيطان ، لما يترتب عليها من قسوة القلوب ، وصدها عن ذكر الله وعن
القرآن ، بل وعن جميع الطاعات إلا من رحم الله ، كما قد سلف بيان ذلك . وأما الأحاديث الواردة في ذم الأغاني والملاهي فكثيرة ، وأصحها ما رواه البخاري في صحيحه ، حيث قال : وقال هشام بن عمار : حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثنا عطية بن قيس الكلابي ، حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري ، قال : حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري ، والله ما كذبني ، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( ليكونن من أمتي أقوام ، يستحلون الحر والحرير ، والخمر والمعازف )) وهو صريح في ذم مستحلي المعازف ، حيث قرنهم مع مستحلي الزنا والخمر والحرير، وحجة ظاهرة في تحريم استعمال المعازف ، وهي آلات الملاهي ، كالطنبور والعود ، والطبل وغير ذلك من آلات الملاهي ، وقد أجمع أهل اللغة على تفسير المعازف بآلات الملاهي ، وما ذاك إلا لما يترتب عليها من قسوة القلوب ومرضها ، واشتغالها عن الصلاة والقرآن ، وإذا انضم إليه الغناء ، صار الإثم أكبر ، والفساد أعظم ، كما سيأتي كلام أهل العلم في ذلك ، وقد تقدم لك بعضه . وأما الحر ، فيروي بالحاء المهملة والراء ، وهو الفرج والمراد به الزنا ، ويروى
بالخاء المعجمة والزاي الخز، وهو نوع من الحرير ، وقد أخذ علماء الإسلام بهذا الحديث ، وتلقوه بالقبول واحتجوا به على تحريم المعازف كلها ، وقد أعله ابن حزم وأبو تراب بعده ، تقليدا له بأنه منقطع بين البخاري رحمه الله وبين شيخه هشام بن عمار ، لكونه لم يصرح بسماعه منه ، وإنما علقه عنه تعليقا ، وقد أخطأ ابن حزم في ذلك ، وأنكر عليه أهل العلم هذا القول وخَطَّؤوه فيه ، لأن هشاماً من شيوخ البخاري ، وقد علقه عنه جازما به ،وما كان كذلك فهو صحيح عنده ، وقد قبل منه أهل العلم ذلك ، وصححوا ما علقه جازما به إلى من علقه عنه . وهذا الحديث من جملة الأحاديث المعلقة الصحيحة ، ولعل البخاري لم يصرح بسماعه ، منه لكونه رواه عنه بالإجازة ، أو في معرض المذاكرة أو لكونه رواه عنه بواسطة بعض شيوخه الثقات ، فحذفه اختصاراً ، أو لغير ذلك من الأسباب المقتضية للحذف. وعلى فرض انقطاعه بين البخاري وهشام ، فقد رواه عنه غيره متصلاً ، عن هشام بن عمار .. إلخ .. بأسانيد صحيحة ، وبذلك بطلت شبهة ابن حزم ومقلده أبي تراب ، واتضح الحق لطالب الحق، والله المستعان.
وإليك _ أيها القارئ الكريم _ كلام أهل العلم في هذا الحديث ، وتصريحهم بخطأ ابن حزم في تضعيفه ، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في فتح الباري لما ذكر هذا الحديث ،
وذكر كلام الزركشي ، وتخطئته ابن حزم في تضعيفه ، قال ما نصه : ( وأما دعوى ابن حزم التي أشار إليها – يعني الزركشي – فقد سبقه إليها ابن الصلاح في علوم الحديث ، فقال : التعليق في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها ، وصورته صورة الانقطاع ، وليس حكمه حكمه ، ولا خارجاً ما وجد ذلك فيه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف ، ولا الثقات إلى أبي محمد ابن حزم الظاهري الحافظ في رد ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر وأبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :((ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف )) الحديث من جهة أن البخاري أورده قائلا : " قال ابن هشام بن عمار " وساقة بإسناده ، فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام ، وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف ، وأخطأ في ذلك من وجوه ، والحديث صحيح معروف الاتصال ، بشرط الصحيح ، والبخاري قد يفعل مثل ذلك ،لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا ، وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب ، التي لا يصحبها خلل الانقطاع ) انتهى.
ثم قال الحافظ بعدما نقل كلام ابن الصلاح المذكور
بأسطر ما نصه : ( وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم ، يكون صحيحاً إلى من علق عنه ، ولو لم يكن من شيوخه ، لكن إذا وجد الحديث المعلق من رواية بعض الحفاظ موصولاً ، إلى من علق بشرط الصحة ، أزال الإشكال ، ولهذا عنيت في ابتداء الأمر بهذا النوع ، وصنفت كتاب " تعليق التعليق " وقد ذكر شيخنا في شرح الترمذي ، وفي كلامه على علوم الحديث أن حديث هشام بن عمار ، جاء عنه موصولاً في مستخرج الإسماعيلي ، قال : حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا هشام بن عمار ، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين ، فقال : حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد ، حدثنا هشام بن عمار ، قال وأخرجه أبو داود في سننه ، فقال : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ، حدثنا بشر ابن بكر ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بسنده ) انتهى .
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله عليه في الإغاثة ، لما ذكر هذا الحديث ما نصه:
( هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه محتجاً به وعلقه تعليقاً مجزوماً به فقال : باب فيمن يستحل الخمر ، ويسميه بغير اسمه ، وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثنا عطية بن قيس الكلابي ، حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري ، قال :
حدثني أبو عامر ، أبو مالك الأشعري والله ما كذبني .. أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم ، يأتيهم لحاجة فيقولون : ارجع إلينا غداً ، فيبيتهم الله تعالى ، ويضع العَلَمَ ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة )) ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئا كابن حزم ، نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي ، وزعم أنه منقطع ، لأن البخاري لم يصل سنده به ، وجواب هذا الوهم من وجوه:
أحدهما : أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه ، فإذا قال : قال هشام فهو بمنزلة قوله عن هشام .
الثاني : أنه لو لم يسمع منه فهو لم يستجز الجزم به عنه إلا وقد صح عنده أنه حدث به ، وهذا كثيراً ما يكون لكثرة ما رواه عنه ، عن ذلك الشيخ وشهرته ، فالبخاري أبعد خلق الله من التدليس .
الثالث : أنه أدخله في كتابة المسمى بالصحيح محتجاً به ، فلولا صحته عنده لما فعل ذلك.
الرابع : أنه علقه بصيغة الجزم دن صيغة التمريض ، فإنه إذا توقف في الحديث أو لم يكن على شرطه ، يقول : ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ويذكر عنه ، ونحو ذلك فإذا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد جزم وقطع بإضافته إليه.
الخامس : أنا لو أضربنا عن هذا كله صفحاً ، فالحديث صحيح متصل عند غيره ، قال أبو داود في كتاب " اللباس " : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ، حدثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثنا عطية بن قيس ، قال سمعت عبد الرحمن بن غنم الأشعري ، قال : حدثنا أبو عامر وأبو مالك ، فذكره مختصراً ، ورواه أبو بكر الإسماعيلي في كتابه " الصحيح " مسنداً ، فقال أبو عامر : ولم يشك . ووجه الدلالة منه : أن المعازف هي آلات اللهو كلها لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك ، ولو كان حلالا لما ذمهم على استحلالها ، ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والخز ، فإن كان بالحاء والراء المهملتين فهو استحلال الفروج الحرام ، وإن كان بالخاء والزاي المعجمتين فهو نوع من الحرير ، غير الذي صح عن الصحابة رضي الله عنهم لبسه ، إذ الخز نوعان : أحدهما : من حرير ، والثاني : من صوف ، وقد روي هذا الحديث من وجهين ، وقال ابن ماجه في سننه : حدثنا عبد الله بن سعيد ،
عن معاوية بن صالح ، عن حاتم بن حريث عن ابن أبي مريم ، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري ، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ليشربن ناس من أمتي الخمر ، ويسمونها بغير اسمها ، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات ، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير )) وهذا إسناد صحيح ، وقد توعد مستحلي المعازف فيه ، بأن يخسف الله بهم الأرض ، ويمسخهم قردة وخنازير ، وإن كان الوعيد على جميع هذه الأفعال ، فلكل واحد قسط في الذم والوعيد . وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وعمران بن حصين ، وعبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عباس ، وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي ، وعائشة أم المؤمنين وعلي بن أبي طالب وأنس بن مالك ، وعبد الرحمن بن سابط ، والغازي بن ربيعة . ونحن نسوقها لتَقَرَّ بها عيون أهل القرآن ، وتشجى بها حلوق أهل سماع الشيطان ) ثم ساقها كلها . ولولا طلب الاختصار ، لنقلتها لك – أيها القارئ الكريم – ولكني أحيل الراغب في الإطلاع عليها على كتاب الإغاثة ، حتى يرى ويسمع ما تقر به عينه ، ويشفى به قلبه ، وهي على كثرتها ، وتعدد مخارجها ، حجة ظاهرة وبرهان
قاطع على تحريم الأغاني والملاهي ، والتنفير منها ، تضاف إلى ما تقدم من الآيات والأحاديث الدالة على تحريم الأغاني والمعازف ، ويدل الجميع على أن استعمالها والاشتغال بها من وسائل غضب الله ، وحلول عقوبته والضلال والإضلال عن سبيله ، نسأل الله لنا وللمسلمين العافية من ذلك ، والسلامة من مضلات الفتن ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وأما كلام العلماء في الأغاني والمعازف ، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فهو كثير جداً ، وقد سبق لك بعضه ، وإليك جملة من كلامهم على سبيل التكملة والتأييد لما تقدم ، والله ولي التوفيق.
روى علي بن الجعد وغيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : (الغناء بنبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع ) ، وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً ، والمحفوظ أنه من كلام ابن مسعود رضي الله عنه . قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب الإغاثة لما ذكر هذا الأثر ما نصه : ( فإن قيل : فما وجه إنباته للنفاق في القلب من بين سائر المعاصي ؟ قيل : هذا من أدل شيء على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأعمالها ، ومعرفتهم بأدويتها وأدوائها ، وأنهم هم أطباء القلوب ، دون المنحرفين عن طريقتهم ، الذين داووا أمراض القلوب بأعظم أدوائها ، فكانوا كالمداوي من السقم
بالسم القاتل ، وهكذا والله فعلوا ، بكثير من الأدوية التي ركبوها أو بأكثرها ، فاتفق قلة الأطباء وكثرة المرضى ، وحدوث أمراض مزمنة ، لم تكن في السلف ، والعدول عن الدواء النافع الذي ركبه الشارع ، وميل المريض إلى ما يقوى مادة المرض ، فاشتد البلاء وتفاقم الأمر ، وامتلأت الدور ، والطرقات والأسواق من المرضى ، وقام كل جهول يطبب الناس . فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق ، ونباته فيه ، كنبات الزرع بالماء ، فمن خواصه : أنه يلهي القلب ، ويصده عن فهم القرآن وتدبره ، والعمل بما فيه ، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً ، لما بينهما من التضاد ، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى ، ويأمر بالعفة ، ومجانبة شهوات النفوس ، وأسباب الغي ، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله ، ويحسنه ، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي ، فيثير كامنها ، ويزعج قاطنها ، ويحركها إلى كل قبيح ، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبن ، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان ، فإنه صنو الخمر ورضيعه ونائبه وحليفه ، وخدينه وصديقه ، عقد الشيطان بينهما شريعة الوفاء التي لا تفسخ ، وهو جاسوس القلب ، وسارق المروءة ، وسوس العقل ، يتغلغل في مكامن القلب ، ويطلع على سرائر الأفئدة ، ويدب على محل التخيل ، فيثير ما
فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة ، فبينما ترى الرجل وعليه سمة الوقار ، وبهاء العقل ، وبجهة الإيمان ، ووقار الإسلام ، وحلاوة القرآن ، فإذا استمع الغناء ومال إليه ، نقص عقله وقل حياؤه ، وذهبت مروءته ،وفارقه بهاؤه وتخلى عنه وقاره ، وفرح به شيطانه ، وشكا إلى الله تعالى إيمانه ، وثقل عليه قرآنه ، وقال :يا رب لا تجمع بيني وبين قرآن عدوك في صدر واحد . فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه ، وأبدى من سره ما كان يكتمه ، وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب ، والزهزهة والفرقعة بالأصابع ، فيميل برأسه ، ويهز منكبيه ، ويضرب الأرض برجليه ، ويدق على أم رأسه بيديه ، ويثب وثبة الذباب ، ويدور دوران الحمار حول الدولاب ، ويصفق بيديه تصفيق النسوان ، ويخور من والوجد ولا كخوار الثيران ، وتارة يتأوه تأوه الحزين ، وتارة يزعق زعقات المجانين ، ولقد صدق الخبير به من أهله حيث يقول :
أتذكر ليلة قد اجتمعنا على طيب السماع إلى الصباح؟
ودارت بيننا كأس الأغاني فأسكرت النفوس بغير راح
فلم تر فيهم إلا نشاوى سرورا ، والسرور هناك صاحي
إذا نادى أخو اللذات فيه أجاب اللهو : حي على السماح
ولم نملك سوى المهجات شيئاً أرقناها لألحاظ الملاح
وقال بعض العارفين : السماع يورث النفاق في قوم ، والعناد في قوم ، والكذب في قوم ، والفجور في قوم ، والرعونة في قوم.
وأكثر ما يورث عشق الصور ، واستحسان الفواحش ، وإدمانه يثقل القرآن على القلب ، ويكرهه إلى سماعه بالخاصية ، وإن لم يكن هذا نفاقا ، فما للنفاق حقيقة.
وسر المسألة : أنه قرآن الشيطان – كما سيأتي – فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبدأ ، وأيضا فإن أساس النفاق : أن يخالف الظاهر الباطن ، وصاحب الغناء بين أمرين:
إما أن يتهتك فيكون فاجراً ، أو يظهر النسك فيكون منافقاً ، فإنه يظهر الرغبة في الله والدار الآخرة ، وقلبه يغلي بالشهوات ، ومحبة ما يكرهه الله ورسوله من أصوات المعازف وآلات اللهو ، وما يدعو إليه الغناء ويهيجه ، فقلبه بذلك معمور ، وهو من محبة ما يحبه الله ورسوله ،وكراهة ما يكرهه قفر ، وهذا محض النفاق. وأيضا فإن الإيمان قول وعمل : قول بالحق ، وعمل بالطاعة ، وهذا ينبت على الذكر وتلاوة
القرآن . والنفاق قول الباطل وعمل البغي ، وهذا ينبت على الغناء ، وأيضا فمن علامات النفاق : قلة ذكر الله ، والكسل عند القيام إلى الصلاة ، ونقر الصلاة ، وقل أن تجد مفتونا بالغناء إلا وهذا وصفه.
وأيضا : فإن النفاق مؤسس على الكذب ،والغناء من أكذب الشعر ، فإنه يحسن القبيح ويزينه ويأمر به ، ويقبح الحسن ويزهد فيه ، وذلك عين النفاق.
وأيضا : فإنا النفاق غش ومكر وخداع ، والغناء مؤسس على ذلك .
وأيضا : فإن المنافق يفسد من حيث يظن أنه يصلح ، كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن المنافقين ، وصاحب السماع يفسد قلبه وحاله من حيث يظن أنه يصلحه ، والمغني يدعو القلوب إلى فتنة الشهوات ، والمنافق يدعوها إلى فتنة الشبهات . قال الضحاك : الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب . وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده : ( ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان ، وعاقبتها سخط الرحمن فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب ، كما ينبت العشب على الماء . فالغناء يفسد القلب ، وإذا فسد القلب هاج فيه النفاق ).
وبالجملة فإذا تأمل البصير حال أهل الغناء ، وحال أهل القرآن ، تبين له حذق الصحابة ومعرفتهم بأدواء القلوب وأدويتها ، وبالله التوفيق).
وقال ابن القيم في موضع آخر من ( الإغاثة ) : ( قال الإمام أبو بكر الطرطوشي – وهو من أئمة المالكية – في خطبة كتابه في تحريم السماع : الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، ونسأله أن يرينا الحق حقا فنتبعه ، والباطل باطلا فنجتبيه ، وقد كان الناس فيما مضى يستتر أحدهم بالمعصية إذا واقعها ، ثم يستغفر الله ويتوب إليه منها ، ثم كثر الجهل ، وقل العلم ، وتناقص الأمر ، حتى صار أحدهم يأتي المعصية جهاراً ، ثم ازداد الأمر إدباراً ، حتى بلغنا أن طائفة من إخواننا المسلمين – وفقنا الله وإياهم – استنزلهم الشيطان واستغوى عقولهم في حب الأغاني واللهو ، وسماع الطقطقة والنقير ، واعتقدته من الدين الذي يقربهم إلى الله ، وجاهرت به جماعة المسلمين ، وشاقت سبيل المؤمنين ، وخالفت الفقهاء وحملة الدين : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} فرأيت أن أوضح الحق، وأكشف عن شبه
أهل الباطل ، بالحجج التي تضمنها كتاب الله وسنة رسوله ، وأبدأ بذكر أقاويل العلماء ، الذين تدور الفتيا عليهم في أقاصي الأرض ودانيها ، حتى تعلم هذه الطائفة أنها خالفت علماء المسلمين في بدعتها ، والله ولي التوفيق).
ثم قال : (أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه ، وقال : إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب ، وسئل مالك رحمه الله عما رخص فيه أهل المدينة من الغناء ، فقال :إنما يفعله عندنا الفساق ، قال : وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب. وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم ، لا اختلاف بينهم في ذلك ، ولا نعلم خلافا أيضا بين أهل البصرة في المنع منه ) انتهى كلام الطرطوشي.
قلت : مراده بالطائفة التي أحبت الغناء واعتقدته من الدين ، الذي يقربهم إلى الله ، جماعة من الصوفية أحدثوا بدعة سمع الغناء ، وزعموا أنه ينشطهم على العبادة ، والتقرب إلى الله بأنواع القربان ، فأنكر علماء زمانهم عليهم ذلك ، وصاحوا بهم في كل جانب ، وأجمع علماء الحق على أن ما أحدثته هذه الطائفة بدعة منكرة . وألف الطرطوشي كتابه المشار إليه في الرد عليهم ، وبيان بطلان مذهبهم . ومن هنا يعلم القارئ أن المفتونين بسماع الغناء والملاهي طائفتان:
الطائفة الأولى : اتخذته ديناً وعبادةً وهم شر الطائفتين ، وأشدهما إثماً وخطراً لكونهم ابتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله ، وجعلوا الغناء والملاهي اللذين هما أداة الفسق والعصيان ، ديناً يتقربون به إلى الملك الديان.
والطائفة الثانية : اتخذوا الغناء والملاهي لهواً ولعباً ، وترويحاً عن النفوس ، وتسلياً بذلك عن مشاغل الدنيا وأتعابها ، وهم مخطئون في ذلك ، وعلى خطر عظيم من الضلال والإضلال ، ولكنهم أخف من الطائفة الأولى ، لكونهم لم يتخذوا ذلك ديناً وعبادةً ، وإنما اتخذوه لهواً ولعباً وتجميماً للنفوس ، وقد صرح أهل العلم بتحريم هذا وهذا ، وإنكار هذا وهذا .
ثم قال العلامة ابن القيم رحمة الله عليه بعدما نقل كلام الطرطوشي المتقدم ما نصه:
( قلت : مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب ، وقوله فيه أغلط الأقوال ، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها ، كالمزمار والدف حتى الضرب بالقضيب ، وصرحوا بأنه معصية توجب الفسق وترد به الشهادة ، وأبلغ من ذلك أنهم قالوا : إن السماع فسق والتلذذ به كفر . هذا لفظهم ورووا في ذلك حديثاً لا يصح رفعه ، قالوا : ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به ، أو كان في جواره . وقال
أبو يوسف في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي : ادخل عليهم بغير إذنهم ؛ لأن النهي عن المنكر فرض . فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض . قالوا : ويتقدم إليه الإمام إذا سمع ذلك من داره ، فإن أصر حبسه ، أو ضربه سياطاً ، وإن شاء أزعجه عن داره ، وأما الشافعي فقال في كتاب أدب القضاء : إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال ، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته.
وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه ، وأنكروا على من نسب إليه حله ، كالقاضي أبي الطيب الطبري ، والشيخ أبي إسحاق ، وابن الصباغ.
قال الشيخ أبو إسحاق في التنبيه : ولا تصح – يعني الإجارة – على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر ، ولم يذكر فيه خلافاً . وقال في المهذب : ولا يجوز على المنافع المحرمة كالغناء ، لأنه محرم ، فلا يجوز أخذ العوض عنه ، كالميتة والدم.
فقد تضمن كلام الشيخ أموراً أحدها : أن منفعة الغناء بمجرده منفعة محرمة . الثاني : أن الاستئجار عليها باطل . الثالث : أن أكل المال به أكل مال بالباطل ، بمنزله أكله عوضاً عن الميتة والدم . الرابع : أنه لا يجوز لرجل بذله ماله للمغني ، ويحرم عليه ذلك ، فإنه بذل ماله في مقابلة محرم ،
وأن بذله في ذلك كبذله في مقابلة الدم والميتة . الخامس : أن الزمر حرام . وإذا كان الزمر الذي هو أخف آلات اللهو حراماً ، فكيف بما هو أشد منه كالعود والطنبور واليراع . ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك ، فأقل ما فيه أنه من شعار العشاق وشاربي الخمور.
وكذلك قال أبو زكريا النووي في روضته : القسم الثاني : أن يغني ببعض آلات الغناء بما هو من شعار شاربي الخمر ، وهو مطرب ، كالطنبور والعود والصنج وسائر المعازف والأوتار ، يحرم استعماله واستماعه ، قال : وفي اليراع وجهان ، صحح البغوي التحريم . ثم ذكر عن الغزالي الجواز . قال : والصحيح تحريم اليراع وهو الشبابة . وقد صنف أبو القاسم الدولعي كتابا في تحريم اليراع . وقد حكى أبو عمرو بن الصلاح الإجماع على تحريم السماع الذي جمع الدف والشبابة والغناء ، فقال في فتاويه:
وأما إباحة هذا السماع وتحليله ، فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت ، فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب ،وغيرهم من علماء المسلمين ، ولم يثبت عن أحد ممن يعتبر بقوله في الإجماع والاختلاف ، أنه أباح هذا السماع . والخلاف المنقول عن بعض أصحاب الشافعي ، إنما نقل في الشبابة منفردة ، والدف منفرداً ، فمن لا يُحصِّل أو لا
يتأمل ربما اعتقد اختلافاً بين الشافعيين في هذا السماع الجامع هذه الملاهي ، وذلك وهم بيِّن من الصائر إليه ، تنادي عليه أدلة الشرع والعقل ،مع أن ليس كل خلاف يستروح إليه ويعتمد عليه ، ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء وأخذ بالرخص من أقاويلهم تزندق أو كاد . قال : وقولهم في السماع المذكور إنه من القربات والطاعات قول مخالف لإجماع المسلمين ، ومن خالف إجماعهم ، فعليه ما في قوله تعالى : {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً } . وأطال الكلام في الرد على هاتين الطائفتين اللتين بلاء المسلمين منهم ، المحللون لما حرم الله ، والمتقربون إلى الله بما يباعدهم عنه . والشافعي وقدماء أصحابه والعارفون بمذهبه من أغلظ الناس قولاً في ذلك ، وقد تواتر عن الشافعي أنه قال : خلفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة ، يسمونه التغبير ، يصدون به الناس عن القرآن . فإذا كان هذا قوله في التغبير ، وتعليله : أنه يصد عن القرآن وهو شعر يزهد في الدنيا يغني به مغن ، فيضرب بعض الحاضرين بقضيب على نطع أو مخدة على توقيع غنائه ، فليت شعري ما يقول في سماع التغبير عنده كتفلة في بحر ، قد اشتمل على كل مفسدة وجمع كل محرم، فالله بين دينه وبين كل متعلم مفتون وعابد جاهل.
قال سفيان بن عيينة : كان يقال : احذروا فتنة العالم الفاجر ، والعابد الجاهل ، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون .
ومن تأمل الفساد الداخل على الأمة وجده من هذين المفتونين . وأما مذهب الإمام أحمد ، فقال عبد الله ابنه : سألت أبي عن الغناء ، قال : الغناء ينبت النفاق في القلب ، لا يعجبني ، ثم ذكر قول مالك : إنما يفعله عندنا الفساق .
قال عبد الله : وسمعت أبي يقول : سمعت يحيى القطان يقول : لو أن رجلاً عمل بكل رخصة : بقول أهل الكوفة في النبيذ ، وأهل المدينة في السماع ، وأهل مكة في المتعة ، لكان فاسقاً .
قال أحمد : وقال سليمان التيمي : لو أخذت برخصة كل عالم ، أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله . ونص على كسر آلات اللهو كالطنبور وغيره إذا رآها مكشوفة وأمكنه كسرها ، وعنه في كسرها إذا كانت مغطاة تحت ثيابه وعلم بها روايتان منصوصتان ، ونص في أيتام ورثوا جارية مغنية وأرادوا بيعها ، فقال : لا تباع إلا على أنها ساذجة ، فقالوا : إذا بيعت مغنية ساوت عشرين ألفا أو نحوها ، وإذا بيعت ساذجة لا تساوي ألفين . فقال : لا تباع إلا على أنها ساذجة . ولو كانت منفعة الغناء مباحة لما فوت هذا المال على الأيتام. وأما سماعة من المرأة الأجنبية أو الأمرد ، فمن أعظم المحرمات
وأشدها فساداً للدين. قال الشافعي رحمه الله : وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته ، وأغلظ القول فيه ، وقال : هو دياثة ، فمن فعل ذلك كان ديوثاً.
قال القاضي أبو الطيب : وإنما جعل صاحبها سفيهاً لأنه دعا الناس إلى الباطل ، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيهاً فاسقاً . قال : وكان الشافعي يكره التغبير وهو الطقطقة بالقضيب ، ويقول : وضعته الزنادقة ليشغلوا به عن القرآن .
قال : وأما العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام ، ومستمعه فاسق ، واتباع الجماعة أولى من اتباع رجلين مطعون عليهما . قلت : يريد بهما إبراهيم بن سعد ، وعبيد الله بن الحسن ، فإنه قال : وما خالف في الغناء إلا رجلان إبراهيم بن سعد ، فإن الساجي حكى عنه أنه كان لا يرى به بأسا . والثاني عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة ، وهو مطعون فيه ) انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
ونقل القرطبي في تفسيره عن الطبري ما نصه : (فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه ، وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري) . انتهى.
قلت : وإبراهيم بن سعد ، وعبيد الله بن الحسن العنبري ، من ثقات أتباع التابعين ، ولعل ما نقل عنهما من سماع الغناء إنما هو في الشيء القليل ، الذي يزهد في الدنيا ، ويرغب في
الآخرة ، وحملوهما على سماع الغناء المحرم ، وهكذا ما يروى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، من سماع الغناء ، وشراء الجواري المغنيات ، يجب أن يحمل على الشيء اليسير ، الذي لا يصد عن الحق ، ولا يوقع في الباطل ، مع أن ابن عمر والحسن البصري قد أنكرا عليه ذلك .
ومعلوم عند أهل العلم والإيمان أن الحق أولى بالإتباع ، وأنه لا يجوز مخالفة الجماعة ، والأخذ بالأقوال الشاذة من غير برهان ، بل يجب حمل أهلها على أحسن المحامل ، مهما وجد إلى ذلك من سبيل ، إذا كانوا أهلاً لإحسان الظن بهم ، لما عرف من تقواهم وإيمانهم ، وسبق لك أيها القارئ قول سليمان التيمي : لو أخذت برخصة كل عالم أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
وذكر القرطبي في تفسيره ما نصه ، (قال أبو الفرج : وقال القفال من أصحابنا : لا تقبل شهادة المغني والرقاص. قلت : وإذ قد ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة لا يجوز ، وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على تحريم الأجرة على ذلك ) انتهى ما نقله القرطبي .
وهذا آخر ما تيسر إملاؤه في هذه المسألة ، أعني مسألة الأغاني والمعازف . ولو ذهبنا نتتبع ما جاء في ذلك من الأحاديث والآثار وكلام أهل العلم لطال بنا الكلام ،وفيما
تقدم كفاية ومقنع لطالب الحق . وأما صاحب الهوى فلا حيلة فيه ، ونسأل الله لنا ولسائر المسلمين التوفيق لما يرضيه ، والسلامة من أسباب غضبه ، وموجبات نقمه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، ونصيحتي لأبي تراب وغيره من المشغوفين بالغناء والمعازف ، أن يراقبوا الله ويتوبوا إليه ، وأن ينيبوا إلى الحق ، لأن الرجوع إلى الحق فضيلة ، والتمادي في الباطل رذيلة ، ولولا طلب الاختصار لنبهنا على جميع ما وقع في مقال أبي تراب من الأخطاء ، وصاحب البصيرة يعرف ذلك مما تقدم ، والله المستعان ، وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم.
حكم الغناء
س 54 : قرأت في صحيفة عكاظ في العدد ( 6101 ) السبت 29 ربيع الثاني 1403هـ ، في خبر مفاده أن هناك مطرباً سعودياً اعتزل الغناء ، وفي إحدى الرحلات الجوية بين القاهرة وباريس ، التقى هذا المطرب بأحد رجال الدين ، وتجاذب معه أطراف الحديث حول الغناء ومشروعيته ، ولم ينزل المطرب من الطائرة إلا وقد أقنعه رجل الدين بمشروعية الغناء بالأدلة والبراهين ،وعاد وقام بعدة أغان تعتبر باكورة إنتاجه.
- هل الغناء مشروع في الإسلام ، وبالأدلة والبراهين. أيضا خصوصاً هذا النوع الخليع في الوقت الحاضر والمصحوب بالموسيقى ؟.
ج : الغناء محرم عند جمهور أهل العلم ،وإذا كان معه آلة لهو كالموسيقى والعود والرباب ونحو ذلك حرم بإجماع المسلمين . ومن أدلة ذلك قول الله سبحانه وتعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } فسره جمهور المفسرين بالغناء ، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقسم على ذلك ويقول ( إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ).
وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف )) الحديث رواه البخاري في صحيحه معلقاً مجزوماً به ، ورواه غيره بأسانيد صحيحة ، والمعازف هي الغناء وآلات اللهو ، وبهذا يعلم أن هذا الذي أفتى – إن صح النقل – بمشروعية الغناء قد قال على الله بغير علم ، وأفتى فتوى باطلة ، سوف يسأل عنها يوم القيامة ، والله المستعان.
حكم الاستماع إلى الأغاني
س 55 : ما حكم الاستماع إلى الأغاني ؟
ج : الاستماع إلى الأغاني لا شك في حرمته وما ذاك إلا لأنه يجر إلى معاص كثيرة ، وإلى فتن متعددة ، ويجر إلى